mercredi 6 mai 2015

مقابلة مع ماريان بابوت وناتالي بونتان حول صدور الترجمة الفرنسية لكتاب «بالخلاص يا شباب» لياسين الحاج صالح

. ترجمت المقابلة من اللغة الفرنسية سلمى العظمة

: صدرت المقابلة باللغة الفرنسية على موقعنا بتاريخ 5 نيسان 2015
Entretien avec Nathalie Bontemps et Marianne Babut autour de "Récits d'une Syrie oubliée"

__________________________________________________________

المترجمون هم الجسور التي تحمل الكتاب من ثقافة إلى أخرى بأمان وثقة‫.‬ هي رحلة داخل الكلمات تحمل روح الكتابة إلى شاطئ لغوي آخر‫.‬ المترجمون هم أيضاً السفن التي تقلُ نصاً، تغمسه في اللغة الأخرى وتحوله وتعطيه حياة جديدة‫.‬

شكراً لمريان بابوت وناتالي بونتان لقبولهما الإجابة على أسئلتنا‫. 
رواء بيتشيتو



ناتالي بونتان من مواليد باريس ١٩٧٧‫.‬ انتقلت عام ١٩٩٩ إلى مدينة مرسيليا حيث درست اللغة العربية‫ ثم إلى دمشق عام ٢٠٠٣ لمتابعة تعليمها وبقيت فيها حتى نهاية عام ٢٠١١. عملت في مجال الترجمة الأدبية منذ ٢٠٠٩ إلى جانب عملها في تعليم اللغة الفرنسية في دمشق. مازالت ناتالي تعمل اليوم كمترجمة بالإضافة لتدريسها اللغة العربية في معهد الثقافات الإسلامية في باريس. كما أنها منخرطة في أعمال جميعة شمس لدعم شبكات التضامن في سوريا. ‬


ماريان بابوت من مواليد مدينة روبيه الفرنسية عام ١٩٨١‫.‬ درست العلوم السياسية ثم اللغة العربية في معهد اللغات الشرقية في باريس‫.‬ انتقلت عام ٢٠٠٨ للعيش في دمشق حيث عملت كمدرسة لغة فرنسية‫.‬ مع بداية الانتفاضة الشعبية في ربيع ٢٠١١ عملت كمترجمة في السفارة الفرنسية بشكل مؤقت وتعمل منذ عودتها لفرنسا بداية عام ٢٠١٢ كمدرسة لغة فرنسية داخل السجون وتتابع نشاطها في الترجمة‫.‬


رواء‫:‬ كيف نشأت فكرة ترجمة هذا الكتاب؟ ما الذي كان المحرض الأول للقيام بهذا العمل؟

ناتالي بونتان:‬ اشتريت الكتاب في بيروت عام ٢٠١٢ فور صدوره‫.‬ رغبت بترجمته فور قراءتي له لأنه يقدم رؤية خاصة جداً عن السجن وعن المجتمع السوري‫.‬أول ما لفت انتباهي هو أن الكتاب يروي طريقة خاصة جداً لاجتياز المحن 1.‬  فالتركيز في سطوره كان حول إمكانية استرداد حرية ذاتية داخلية رغم حصول أبشع ما يمكن تصوره، أي أن يمضي المرء شبابه كله في السجن‫.‬ ويقلب الكاتب المعايير لدرجة الجزم بأنه لولا هذه التجربة لما كان استطاع بلوغ هذا الحد من التحرر وما كان ليبني نظرته للعالم تلك التي باتت تعرف عن هويته الحالية‫.‬ طاقة «الاجتياز» وإعادة البناء تلك قوية جداً ووَلدت لدي رغبة أكيدة في إيصال هذا النص لغيري نظراً للمحن الفظيعة التي تواجهها سوريا حالياً‫.‬
جذب انتباهي منحىً آخر في الكتاب يكمن في الجهد الذي بذله الكاتب لتناول السجن كحالة مجتمعية و‫«‬تجربة مواطَنة‫».‬ وقد خص السجن عددا هائلاً من الناس المنتمين لجيل الكاتب لدرجة أنه بات ظاهرة اجتماعية حاول الكاتب إستحضارها مستخدماً في ذلك أدوات مستوحاة من العلوم الاجتماعية‫.‬

يجمع النص إذا ما بين الرغبة في تناول السجن كموضوع دراسة وهو الشيء الذي يتطلب أخذ المسافة اللازمة منه وبين الشهادة للتحرر، من خلال القراءة التي عاشها الكاتب والتي تمس خصوصيته العميقة‫.‬
هذا ما يجعل من الكتاب عملاً خاصاً وفريداً من نوعه رغبت فوراً في ايصاله باللغة الفرنسية‫.‬ لم يكن ذلك سهلاً، رفض عدة ناشرين المشروع‫.‬ ولكن وبعد مضي سنتين، استلم فرانك ميرميه الذي اهتم بالكتاب منذ صدوره، استلم إدارة سلسلة‫ «ترافيرسيه» في دار نشر «بريري أوردينير» وقرر افتتاح المجموعة بهذا الكتاب (فيما يخص النصوص المترجمة عن العربية، فلقد صدر في نفس السلسلة وبنفس التاريخ كتاباً مترجماً عن التركية يتناول موضوع الإبادة الأرمنية).‬


ماريان بابوت‫:‬ هذا مشروع ناتالي‫.‬ هي التي ناضلت من أجل صدور الكتاب‫.‬ اقترحت علي أن نتشارك ترجمته في أيلول ٢٠١٣ حين أتيحت لي فرصة المشاركة في ورشة إستضافة لمترجمين نظمتها المدرسة الدولية للمترجمين الأدبيين‫.‬ شعرنا وقتها أننا قد نعطي فرصة لكتاب ‫«‬بالخلاص يا شباب‫»‬ باقتراحه كمادة للعمل في الورشة‫.‬ وتبين أن فكرة ناتالي كانت صائبة رغم أن مقترح النشر جاءنا في المحصلة من جهة أخرى‫! كان لا بد لي نظراً لارتباطي الشديد بسوريا وبثورتها أن أتحمس دون تردد للعمل على نصوص ياسين الحاج صالح المعروف بشجاعته كمعارض سياسي قديم. ثم اكتشفت نص الكتاب، تقريباً بالتزامن مع بدء العمل على ترجمته، فتبنيت المشروع شيئاً فشيئاً على المستوى الشخصي والملموس. خلال مشاركتي في هذه الترجمة، انتابني أحياناً إحساسٌ مفرحٌ للغاية بأنني أقوم بعمل صحيح وصائب. لأن هذا الكتاب ثمين على عدة أصعدة، أولاً لأنه يحكي سوريا معيَنة، تلك التي يجهلها كثيرون والتي عانت مدى أربعين عاماً قبل أن تظهر أمام أعين العالم أجمع بهيئة مأساوية للغاية.‬
يروي كيف أن اعتقال حيوات بأكملها في السجن، بالآلاف وبعشرات الآلاف كان منذ الثمانينيات أسلوباً ممنهجاً واعتيادياً لنظام الأسد في حكمه للبلاد‫.‬ ويروي من هنا كيف كان على هذه الأجيال المعتقلة أن تتعلم تقبل وجودها اللامعقول في المعتقل كشيئ ‫«‬اعتيادي‫».‬ يبدو لي من تجربتي في العمل في السجون في فرنسا أن بناء الروتين أو هذا ‫«‬الاستحباس‫»‬ الذي يتكلم عنه ياسين في كتابه أي إقامة نقاط علام في التآلف مع المكان والزمان بين حيطان المعتقل الأربع هو أساسيٌ جداً في حياة المعتقلين‫.‬

ياسين الحاج صالح يطرح الموضوع بقوة وبالتفصيل ويضفي على معركة كل إنسان من أجل إنقاذ شعوره بالذات وبالكرامة وبالمغزى في وجه الظروف مهما كانت، بعداً كلياً أممياً‫.‬ هذا ما فضلته في هذا العمل فهو يساهم في التذكير بأن الصراعات العديدة التي يخوضها السوريون هي ذات بعد إنساني شامل‫.‬


رواء‫:‬ كيف عشتما مهنياً هذه الترجمة على الصعيد اللغوي؟ هل واجهتكما صعوبات معينة خاصة بأسلوب ياسين الحاج صالح في الكتابة؟


ناتالي:‬ لا‫.‬ هذا النص مكتوب بلغة سلسة جداً لا تشكل صعوبات كبيرة في الترجمة‫.‬
رغم ذلك سألنا الكاتب عن تفاصيل حياته اليومية في السجن كي نقترب قدر الإمكان من الواقع الذي عاشه‫.‬
أما نص ‫«‬المنسى السوري‫»2الذي كتب لاحقاً والموجود في الإصدار الفرنسي من الكتاب شكل بالنسبة لنا مشكلة لغوية‫ فهو يستخدم فيه كلمة من إبداعه هي «المنسى» والتي بنيت على وزن لغوي اعتيادي في اللغة العربية وبالتالي يسهل على القارئ العربي فهمها. إلا أنها غير قابلة للترجمة. لجأنا إذن لاستخدام عبارات مصورة أمثال «أرض النسيان» وكان علينا تنويعها لأن اللغة الفرنسية بعكس العربية لا تحتمل التكرار اللغوي. تدور صياغة النص العربي كلها في مقام واحد هو النسيان ومقابله: الذكر، إلا أننا في الفرنسية حاولنا تنويع الصيغ فتارة «المنسيون» وتارة أخرى «هؤلاء الذين لا يُعترف بوجودهم» الخ. ‬

ماريان‫:‬ بشكل عام، لا‫.‬ كما قالت ناتالي إن كتابة ياسين سلسة ودقيقة‫.‬ لكن علي أن أعترف بقليل من الحرج أنني واجهت بعض الصعوبة أحياناً أمام تكرار بعض العناصر في النص من ألفاظ و أفكار‫.‬ تحتمل اللغة العربية التكراربسهولة أما اللغة الفرنسية وعلى الأخص دور النشر الفرنسية فلا تحتملها أبداً‫.‬ هذا ما جعلني في بعض الأوقات، عندما كانت تنفذ مني المرادفات والخدع اللغوية، أحرد قليلاً من النص‫….‬ لكن لا يسعني في تلك الحالات إلا أن ألوم نفسي على استنفاذي للمصادر الممكنة‫!‬

رواء‫:‬ تقنياً كيف تقاسمتما هذا العمل المشترك؟

ناتالي:‬ تقاسمنا الأجزاء فيما بيننا وعندما انتهينا من ترجمتها وحدنا صياغة النص كله‫.‬

ماريان‫:‬ تقاسمنا أجزاء الكتاب بشكل متساو‫.‬ ولكن سؤالك هذا يتيح أمامي الفرصة لأقول بأنني في هذا العمل كما في أعمال أخرى تلميذة ناتالي‫.‬ لقد كانت مدرستي في الترجمة في دمشق وإحدى المشرفات على عملي في مدينة آرل ومدبرة ومراجعة ترجمة هذا الكتاب‫.‬ التنسيق الذي تتحدث عنه ناتالي، هذا التنسيق الذي اوجد من أجل توحيد صياغة العمل لغوياً‫…‬ هو من فعل ناتالي‫!‬


رواء‫:‬ لماذا هذا العنوان ‫«حكايا من سوريةٍ منسية»‬ في الإصدار الفرنسي بينما يحمل الكتاب في نسخته الأصلية عنوان «بالخلاص يا شباب‫!‬» ؟


ناتالي‫:‬ اقترحت ماريان في بادئ الأمر عنوان «لنا الفرج‫!‬» ‫.‬ أعجبني العنوان وكان متناسباً مع أحد محاور الكتاب المهمة هو الاجتياز، وكانت قد استغنت فيه عن عبارة «يا شباب» التي لا مرادف سهلاً لها في الفرنسية‫.‬ أراد الناشر تغيير العنوان‫.‬ اجتمعنا حينئذ مع ماريان بابوت وفرانك ميرميه للتفكير في مقترح بديل‫.‬ الإصدار الفرنسي من الكتاب يحوي نصين جديدين‫:‬ شهادة ياسين الحاج صالح عما عاشه خلال الثورة السورية ونص ‫«المنسى» وهو تحليل لفكرة النسيان أو فقدان الذاكرة كفعل سياسي مقصود لمحوِ آلام شعب بأكمله من الوعي العام.‬
هذان النصان متعلقان بصدور الكتاب عام ٢٠١٥، أي في السنة الخامسة من المأساة السورية التي لم تعد تلفت الأنظار مع مرور الزمن‫.‬ بالتالي لم يعد هذا الكتاب يتناول موضوع السجن فقط‫.‬ والنسيان الذي أراد الكاتب محاربته في بادئ الأمر والذي أصاب آلام أجيال بأكملها من المعتقلين السياسيين في الثمانينيات أضيف إليه نسيان آخر هو اللامبالاة الحالية تجاه مصير السوريين في بلدهم اليوم والجالية العملاقة التي شكلوها في الخارج‫.‬ لذلك حاولنا إيجاد عنوان يجمع بين كل هذه المواضيع وكان هذا العنوان ‫«حكايا من سورية منسية، إخراج الذاكرة من السجون».‬
ماريان:‬ جوابي مطابق لما قالته ناتالي‫.‬


رواء‫:‬ كيف تنظران لهذا الكتاب؟ هل هو من كلاسيكيات أدب السجون أم أنه فريد من نوعه يقترن بكتابات علم الاجتماع مثلاً؟

ناتالي:‬ لقد أجبت عن هذا السؤال في السؤال الأول‫.‬


ماريان‫:‬ حسب ما أعرف عن النمطين الذين تتحدثين عنهم سأقول أنه كتاب لا يندرج لا ضمن هذا النمط ولا ذاك‫.‬ يقول نص الكتاب عن نفسه أنه لا ينتمي لأدب السجون بل للأدب ‫«من خلال» السجن (أو «بفضل»). صحيح أن الكاتب لا يعتمد أسلوب التنديد الهجومي بالسجن أو بمن يحكم السجن أو بالممارسات المسيئة التي تمارس فيه. التنديد ليس هدفه. ولا الاستحضار الداخلي الأليم هدفه. ولا يندرج برأيي ضمن كتابات علم الاجتماع لأنه لا يسعى للالتزام بخطاب معين ولا لمساءلة واقع جماعي بشكل منهجي. يبقى أن الكتاب بحد ذاته مهم جداً على صعيد علم الاجتماع. إن كان علينا تحديد النمط الأدبي لهذا الكتاب فلماذا لا نعتمد ما قال عنه ياسين في صفحاته: ليس له نمط. ‬


رواء‫:‬ كيف تريان اللغة العربية؟ كيف يمكنكما وصف علاقتكما بهذه اللغة أو التحدث عنها وكيف تعيشانها مقارنة باللغة الفرنسية؟

ناتالي‫:‬ أعتقد أنني أتحدث اللغة العربية في حياتي اليومية تقريباً بقدر ما أتحدث الفرنسية بما أنها اللغة التي أستخدم مع زوجي ومع عدد من الأصدقاء السوريين الذين باتوا يعيشون في فرنسا‫.‬ كما أني أعلمها، وأحاول دائماً تعليمها كلغة حية كما كنت أعلم الفرنسية في دمشق‫ وأحاول بشكل سريع تمكين الطلاب من التكلم باللغة العربية في مشاهد الحياة اليومية. يولد عندي شعوراً بالرضى عندما أرى الطلاب يتبنون اللغة خاصة أنني تعلمتها أنا نفسي على نسق اللغة اللاتينية ولم أتمكن من تبنيها كلغة حية إلا بعدما بدأت بالسفر. وأعمل أيضاً في الترجمة وهذا يسمح لي بالاستمرار في التعلم دائماً لأني أخرج من كل عمل ترجمي جديد بذاكرة جديدة للغة. وأستمتع أيضاً ولو بشكل متقطع بقراءة بعض أبيات الشعر العربي القديم وهي محفز دائم لي.‬
لا يمكنني مقارنة علاقتي بالعربية بعلاقتي بالفرنسية، يبدو لي أنهما متشابكتين بداخلي تماماً دون أن أخلط بينهما في الكلام‫.‬

ماريان‫:‬ بالنسبة لي يوجد عدة لغات عربية في حياتي‫، لغة الدراسة واللغة الفصحى التي تعلمتها كمجموعة من القواعد النحوية المركبة، الصعبة والممتعة في آن، كانت تلقن لنا كنوع من الطقس المقدس.‬ أما المفردات فظهرت لي كبئر عميق من الأدوات الدلالية ذات دقة لامتناهية قد يحوي مثلاً على عشرات الألفاظ الدالة على «الجمل» ‫(‬هذا ما يقال ولكني لم أتأكد من الموضوع‫!). هناك لغة صديقات الطفولة التي هي مزيج من الفرنسية والقبائلية والعربية وأنغام غائمة في ذاكرتي استعدتها لاحقاً عندما ذهبت إلى الجزائر. وهناك العربية السورية التي أصبحت إحدى لغتَي حياتي اليومية في العائلة ومع الأصدقاء. أن أقارنها بالفرنسية؟ لا أفعل هذا بشكل تلقائي إلا في الترجمة، فالمسألة كلها تكمن في ايجاد الحد الواصل بين اللغتين… وهنا تظهر مكامن كنوز كلتا اللغتين. إلا أنهما تبقيان بالنسبة لي فريدتين لا تقبلان الاختزال ولا المقارنة. ‬
‫ ‬

________________________________________________________________


1 المصطلح الفرنسي المستخدم في نص المقابلة الأصلي هو مصطلح من علم النفس الحديث ويعني امكانية اجتياز المحن القاسية جداً بنوع من المرونة التي تسمح ورغم الصدمات بالاستمرار بنفس الصلابة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire