mercredi 3 juin 2015

دراسة عن الذاكرة عند اللاجئين السوريين - طلاب كلية العلوم السياسية في تولوز/ ورشة عمل في مادة علم الإجتماع

لمهاجرُ غائبٌ بصورة مزدوجة : غائبٌ عن المكان الذي أتى منه وغائبٌ عن المكان الذي وصل إليه." بيير بورديو

قامت مجموعة من طلاب كلية العلوم السياسية في تولوز وضمن ورشة عمل في مادة علم الاجتماع، بدراسة عن الذاكرة عند المهاجرين. وخصّصت الدراسة العمل على وضع بعض المهاجرين الإسبان المقيمين في تولوز منذ زمنٍ بعيد ، وعلى وضع بعض اللاجئين السوريين في تولوز. وذلك بالتعاون مع مجموعتنا (مجموعة التضامن تولوز - سوريا ) حيث كنّا نقوم بصلة الوصل بينهم وبين بعض اللاجئين واللاجئات وعائلاتهم.

اعتمدت الدراسة على محورين : مراجع نظرية وأبحاث عن الهجرة ، ولقاءات مع المهاجرين ضمن حوارات نصف موجهة، استمرت ساعتين أو أكثر مع كل شخص أو عائلة.
ينتمي المشاركون من اللاجئين السوريين إلى أجيالٍ مختلفة، وتتراوح أعمارهم بين الستة عشر عاماً والخمسين عاماً تقريباً. 
وجميعهم يعيش في تولوز منذ فترة تتراوح بين العام والعامين.

تُشكل هذه الدراسة حسب تقديرنا وثيقة هامة تتناول نقاطاً أساسية عن لجوء السوريين الحالي. وقد يكون لها أهمية في تأريخ قسم من حياة السوريين في المنفى غير المختار غالباً. فقد خرجوا من البلد بدون رغبة حقيقية في الهجرة. خرجوا خوفاً من الموت والاعتقال والجوع.

نحاول هنا تقديم خلاصة عن هذه الدراسة المؤلفة من 14 صفحة تقريباً. وذلك من خلال خطوطها العريضة. 

كل الجمل التي وُضعت بلون غير الأسود هي استشهادات من الدراسة.

تم نشر الدراسة بأكملها باللغة الفرنسية على مدونة مجموعتنا  على الرابط التالي ،وسوف يتبعها لقاء مع الطالبات اللواتي قمن بهذه الدراسة.

http://toulousesyriesolidarite.blogspot.fr/2015/06/le-migrant-est-absent-au-lieu-dorigine_1.html

كل الشكر لطالبات كلية العلوم السياسية
Fanny COLLARD - Marie ANIERE  - Judith BLIGNY-TRUCHOT et Coralie-Anne RAMDIALE

والشكر الجزيل لبدر الدين عرودكي لمراجعته للترجمة العربية.
_______________

تُشير الدراسة إلى العلاقة الوطيدة بين الذاكرة الفردية والذاكرة الجماعية في إطار الحروب والأزمات كتلك التي يعيشها الشعب السوري.
يمكن للذاكرة الفردية على رغم تعلقها بالحيّز الحميمي والخاص بحياة كل شخص، أن تُكتب في الحيّز العام وأن تكون مقدمة لتكوين الذاكرة الجماعية التي يمكن تناقلها.
تسمح الصفة الحديثة لهجرة السوريين بدراسة البناء المتقطع لسيرة الذاكرة ، وبتحليل كيف أن قصة حياة مجموعة ما تُبنى ثم تتفكك بصورة آنية وضمن الصدمات التي تعرضت لها الذاكرة

أولاً - شرخ الهوية ومفهوم الغياب المزدوج 

يقول بيير بورديو، في مقدمة لكتاب عبد الملك سياد، " الغياب المزدوج " :
المهاجرُ غائبٌ بصورة مزدوجة : غائبٌ عن المكان الذي أتى منه وغائبٌ عن المكان الذي وصل إليه.


يولد شرخ الهوية من فقدان العلامات الدالة بعد الهجرة الغير مختارة.العلامات الدالة في المنفى تكون هشّة في البداية. تصير الذاكرة متقطعة. ويُشكل مجمل هذه العوامل مايسمى بالغياب المزدوج الذي يتحدث عنه بيير بورديو. 

 الرحيل منعطف في حياة الأشخاص الذين حاورناهم. وهذا المنعطف يجعل هويتهم محور تساؤل. ذاكرة الماضي لاتفارق الحاضر ، ولكن حياة المهاجرين لم تعد نفسها. تتحدث إحدى العائلات السورية التي التقيناها كيف أنهم يتذكرون أغاني فيروز بالكثير من الحنين، تلك الأغاني التي كانوا يسمعونها في سوريا كل صباح. ولكنهم يتحدثون أيضاً عن الصعوبة التي يلقونها في عيش نفس الشيء في حياتهم الجديدة. فهذه العادة فقدت معناها السابق هنا. وكأن حياتهم اليومية معلّقة منذ رحيلهم من سوريا.

 يتجلى فقدان العلامات الدالة أيضاً على الصعيد المهني. فهؤلاء الأشخاص كانت لديهم مهنٌ في سوريا. ولكنهم يجدون صعوبات في الخوض في سوق العمل في فرنسا لأسبابٍ مختلفة.

ثانياً - مفهوم التداخل بين المكان والزمان في تولوز وبين المكان والزمان في سوريا 

هناك حركة ذهاب وإياب فكرية دائمة بين الواقعين اللذيْن يعيشهما اللاجئون السوريون. يعيشون هنا حاضرهم الفرنسي ولكنهم يستمرون بالتواصل مع سوريا سواء مع أقربائهم وأهلهم هاتفياً أو عن طريق الانترنت ، أو بمتابعة الأخبار عمّا يحدث هناك. هذا التداخل بين الواقعين يخلق في بعض الأحيان نوعاً من الانفصال الذي يؤثر على قصص حياتهم ويغذي في الوقت نفسه الغياب المزدوج.

تقول إحدى السيدات السوريات التي حاورناها : " إن كان جسدي هنا فعقلي بقي في سوريا."
وبصورة إجمالية، ليس المهاجرون الذين يعانون من شعور الغربة في فرنسا والغائبون في الوقت نفسه عن بلدهم الأم، في حصيلة الأمر، لا هنا ولا هناك بصورة كاملة. وعلى هذا النحو تتحقق فكرة الغياب المزدوج التي تحدثنا عنها.


ثالثاً - تولوز كإمكانيةٍ لمرسى جديد 

تصبح مدينة تولوز تدريجياً وعبر الأيام، العلامة الدالة الجديدة للمهاجرين السوريين اللاجئين. 
تحدثت إحدى اللاجئات وبانفعالٍ كبير عن نهر الغارون الذي يذكرها نوعاً ما بنهر بردى في دمشق. ولقد غنّت فيروز في إحدى أغانيها بردى. وهو نهر له قيمة رمزية كبيرة عند سكان مدينة دمشق. من خلال سير حياتهم التي سمعناها، تبدو تولوز وكأن تحتوي شيئاً ما يتماثل مع دمشق ولها مكانٌ خاصٌ جداً في إدراك اللاجئين لمجرى حياتهم منذ مغادرتهم البلد. يصير هذا المكان الجديد تدريجياً علامتهم الدالة الجديدة وفي بعض الأحيان ملجأهم ونقطة الانطلاق لإعادة بناء جديدة للذاكرة.

رابعاً - الرحيل من سوريا كتجربة اقتلاع

لم يرحل السوريون من سوريا باختيارهم. كانوا مجبرين على ترك بلدهم خوفاً من الموت قتلاً أو من الاعتقال أو من الجوع. عاشوا هذا الرحيل كاقتلاعٍ قاسٍ جداً. وعاشوا الهجرة كمنفى مؤلم.
زاد من ألمه كونهم شاركوا في الثورة ضد نظام بشار الأسد. وفي هذا السياق، تبدو شهادة إحدى الفتيات السوريات التي حاورناها مفيدة جداً. فهي تقول : " عندما بدأت الثورة كنتُ أحب بلدي لدرجة أني لم أفكر نهائياً بتركه. لأننا شاركنا بهذه الثورة."
نلاحظ هنا نشوء إحساس بالتخلي مرتبط بغيابهم عن البلد الذي يعيش في حالة حرب. :وتتابع محاورتنا، " لذلك أشعر بالذنب، ، لأني أرى حياتي هنا وأرى كيف يموت الآخرون هناك. هذا يؤلمني جداً." ثم تضيف : " مايؤلمني أنهم لايملكون هناك حظاً حتى بالعيش ... وهو أدنى الحقوق الإنسانية. "

التمزق المعاش بسبب الرحيل القسري، التواصل بين الماضي والحاضر، التداخل الذي تحدثنا عنه، كل هذه النقاط تُشكل عواملاً تمنع التكون الفعلي للذاكرة الفردية عند المهاجرين السوريين. ذاكرتهم متصلة بشكل ضيق بالذاكرة الجماعية للشعب السوري - الذي تحدثوا عنه كثيراً - من خلال عيشهم للثورة السورية.

تبدو الثورة السورية وكأنها منعطفٌ في تاريخ هذا البلد، ولكن هذا صحيح أيضاً بالنسبة لمن شارك بها. 

خامساً - ذاكرة العنف

الذاكرة ، بصورة عامة، انتقائية. وكما يقول أحد الباحثين ( روجية باستيد) الذاكرة هي عملية تركيب وتصليح وترقيع.

نجد أن ذكريات الأحداث العنيفة هي التي تصعد إلى السطح عند المهاجرين السوريين. لكنهم رغم ذلك، ليسوا قادرين على سرد كل الذكريات العنيفة التي عاشوها أو شاهدوها.
عندما يعيش المرء أحداثاً عنيفة جداً، فإن ما لا يمكن وصفه يحتل مساحة كبيرة في الذاكرة.

ينتهي البحث بهذه الملاحظة :

هناك الكثير من التآزر في المبادرات الفردية والجماعية من أجل منافسة الذاكرة الرسمية التي ينقلها الإعلام. في كل لقاءٍ قمنا به تحدث محاورونا عن خيبتهم أمام تعامل الإعلام الفرنسي مع الوضع في سوريا، وتركيزه على داعش، وإهماله الحديث عن شروط حياة المدنيين ومبادراتهم. وأحبّت واحدة من اللاجئات التي التقينا بها أن تُذكرنا أن أول مظاهرات السوريين في ثورتهم كانت سلمية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire